بسم الله الرحمن الرحيم,
تمثل الخلية رغم حجمها المجهري عالما مليئا بالعجائب التي لم يتمكن العالم من اكتشاف اسراره, حيث تحتوي على مجموعة من المكونات الحيوية التي تتفاعل مع بعضها البعض بطريقة معقدة و منظمة تسمح من خلالها للخلية من مزاولة نشاطها وتضمن استمراريتها في الحياة. تحافظ الخلية على وجودها من خلال التنسيق بين عدة انظمة خلوية كأنظمة التأشير الخلوي , التعبير الجيني و المسارات الاستقلابية في الخلية. يمكننا تصنيف هذه الانظمة الى عدة مستويات. من المستويات الاكثر استعمالا لدينا :
- المستوى الجيني: يمثل هذا المستوى العلاقة التي تربط نشاط الجينات مع بعضها البعض. بما ان الجينات عبارة عن سلسلة في الحمض النووي فإنها لا تاثر على بعضها البعض بطريقة مباشرة لكن عن طريق منتوجاتها المتمثّلة في البروتينات. لكن يمكن ايضا تمثيل العلاقة بين الجينات على حسب نسبة التشابه في التعبير الجيني او على حسب موقعها في الجينوم او المسافة بينها في البنية الثلاثية للكروموزموم (مثلا بإستعمال تقنية الـ Hi-C ), ... الخ
- المستوى البروتيني: يمثل هذا المستوى في العادة التفاعلات الفيزيائية التي تربط البروتينات مع بعضها البعض.
- المستوى الأيضي: وتمثل العلاقة بين البروتينات اثناءالقيام بالتعديل الايضي.
في مجال المعلوماتية الحيوية نجد انفسنا ,في الكثير من الاحيان, مظطرين للتعامل مع هذه الشبكات, مثلا لدراسة العلاقة بين مجموعة من البروتينات او الجينات او لدراسة دور بعض البروتينات في تعديل بعض الوظائف الحيوية او تنشيط بعض الامراض,... الخ. لكن قبل الخوض في كفية التعامل معها برمجيا, سوف نحاول ان نعطي نظرة عامة هو كيفية الحصول على هذه الشبكات.
بناء شبكات التفاعل البيولوجي
تحتوي الخلية على آلاف الجينات والبروتينات التي تتفاعل بينها و يعتبر بناء شبكة تفاعل بيولوجي تمثل كل العلاقات بين المكونات الحيوية شيئا صعبا نظرا للعدد الهائل من الجينات والبروتينات من جهة ونظرا الى ديناميكية هذا التفاعل بين هذه المكونات الحيوية حيث انه يختلف باختلاف الخلايا والظروف المحيطة بالخلية...الخ. لكن طور العلماء مجموعة من التقنيات التي تمكننا من تكوين نظرة ولو جزئية على هذه العلاقة.
يمكن تصنيف طرق بناء شبكات التفاعل البيولوجي الى ثلاثة طرق رئيسية تختلف في نسبة موثوقيتها.
1. الطرق البيولوجية
طورت عدة طرق بيولوجية لدراسة التفاعل بين البروتينات. تعتبر طريقة Yeasy-2-Hybrid او اختصارا Y2H ,من الطرق الاكثر شيوعا لدراسة التفاعل بين البروتينات. طورت هذه الطريقة سنة 1989 من طرف اوك-يو-سونغ. تعتمد هذه الطريقة على مبدا تهجين بروتينين في الخلية حيث يلعب واحد من البروتينات دور الطعم و البروتين الآخر دور الفريسة. يتم هندسة البروتين الطعم واظافة نطاق (Protein Domain) يسمح له بالارتباط بالحمض النووي. أما بالنسبة للطعم يتم اظافة نطاق يسمح باستقطاب آلة البروتين الريبي 2 مما يسمح بنسخ جينن موسوم يؤدي الى انشاء بروتين مشع. يتم دراسة كل التفاعلات الممكنة بين مجموعة من البروتينات مما يسمح لنا ببناء شبكة تفاعلية بين البروتينات. طورت هذه الطريقة لدارسة تفاعل البروتينات في خلايا الثديات وتسمى mammalian cell based two hybrid او M2H.
رغم الاستعمال الشائع لهذه التقنية إلا انها ليست دقيقة مئة بالمئة, حيث تمثل النتائج الخاطئة نسبة عالية, حيث في الكثير من الاحيان يتم التفاعل بين البروتين الطعم والبروتين الفريسة عن طريق بروتين وسيط وليس عن طريق الاتصاق المباشر. يظن بعض الباحثين ان اكثر من 50% من التفاعلات هي تفاعلات غير مباشرة.
2. الطرق الحسابية :
تستعمل الطرق الحسابية للتنبئ بتفاعلات جديدة او من اجل تحسين نتائج الطرق البيولوجية, حيث كما قلنا سابقا تتميز الطرق البيولوجية بوجود العديد من النتائج الغير دقيقة. اظافة الى ذلك لا تاخذ الطرق البيولوجية الظروف الديناميكية للخلية حيث اذا تفاعل بروتينان في نوع خلوي ما (مثلا الجلد) فربما لن يتفاعلا في نوع خلوي آخر (مثلا الكبد). لهذا وجب استعمال الطرق الحسابية لغربلة هذه النتائج عن طريق دمج معلومات اخرى كالتعبير الجيني ومعلومات حول تموضع البروتينات في الخلية ... الخ.
تختلف الطرق الحسابية المستعملة على حسب هدف الدراسة. فمثلا يستعمل بعض الباحثين طرق حسابية تأخذ بعين الاعتبا الخصائص الكيمائية والفريائية للبروتينات لمحاكات طرق تفاعلها وبالتالي اكتشاف التفاعلات الغير صحيحة التي تم اكتشافها في الطرق البيولوجية.
هناك طرق اخرى تستعمل نسبة التشابه في التعبير الجيني لمعرفة العلاقة بين البروتينات, ويتعمل لهذا الغرض الكثير من الخوارزميات.
3. طرق التنقيب اللغوي:
تعتمد هذه الطرق على اكتشاف التفاعلات الحيوية عن طريق البحث في الاوراق البحثية واكتشاف العلاقات التي تم دراستها والتاكد منها من طرف الباحثين. خلافا لطرق الـ Hight throuput كطريقة Y2H يقوم الكثير من الباحثين بالتركيز على دراسة وظيفة بروتين من البروتينات و في العادة تكون نتائجهم مكتوبة في الاوراق البحثية لكن غير مظافة للقواعد البيانت المعروفة. نظرا للحجم الهائل للاوراق البحثية لايمكن قرائتها واحدة بواحدة و استخراج هذه المعلومات, لهذا طورت العديد من الخوارزميات التي تقوم بالبحث في المقالات العلمية واستخراج التفاعلات التي تم اكتشافها من طرف الباحثين. تعتمد هذه الخوارزميات عادة على الكثير من طرق الذكاء الصناعي و طرق معالجة اللغات الطبيعية.
بعض قواعد بيانات التفاعلات الحيوية
تم تطوير عدة قواعد بيانات للتفاعلات الحيوية نسرد بعضها هنا:
Biogrid | تحتوي على التفاعلات بين البروتينات في العديد من الكائنات. تحدث بصفة مستمرة. يتم استعمال الطرق الحسابية ثم التدقيق اليدوي للتفاعلات. |
String | تحتوي تفاعلات البروتينات من عدة مصادر بيولوجية, حسابية و التنقيب اللغوي |
KEGG | تحتوي على مسارت التفاعلات الايضية |
BioCyc | تحتوي على عدة انواع من شبكات التفاعل الحيوي |
HPRD | تحتوي على التفاعلات بين البروتينات الخاصة بالانسان. |
الخصائص التبولوجية لشبكات التفاعل الحيوي
بعد تجميع هذا العدد الهائل من المعلومات حول شبكات التفاعل تسائل العديد من الباحثين عن طريقة تشكل هذه الشبكات, هل يتم التفاعل بين البروتينات بطريقة عشوائية ام هناك نمط معين للتفاعل بين المكونات الحيوية.
كانت اغلبية التوقعات تقول ان التفاعل بين المكونات الحيوية تتم بطريقة عشوائية لكن عند دراسة دالة توزيع درجة العقد (Degree distribution) في الشبكات الحيوية تبين ان تتبع توزيعة الـ Power-law يعني ان احتمال ان يكون عدد ارتباطات جزيء حيوي بـ جزيء حيوي آخر هو .بينما في الحالة العشوائية سوف يتبع توزيعة Posson او بصفة عامة توزيعة ذات شكل اسي.
مثلا في الصورة اسفله امثلة عن توزع درجة تفاعل البروتينات في شبكات حيوية مختلفة
نكتفي بهذا الحد وفي المرات القادمة سوف نرى كيفية التعامل مع الشبكات الحيوية بصفة عامة بلغة الآر ونقدم بعض الادوات.
رابط المقالة : المعلوماتية الحيوية بالعربية » لمحة حول شبكات التفاعل البيولوجي